الفــــــــخ

--------------------------------------------------------------------------------

الفــخ

إنها الخيبة دائما في انتظاري، خيبة لا أعرف كيف أهرب منها،
تفترسني، تغتال أحلامي، المفاجأة المرة على كل الطرق التي أسلكها،
هل أنا أفتقد القدرة على الرؤية، أم أنني سكرى دون خمر، مشاعري
وأحلامي الموهومة هي خمري، أسقط مشاعري على الآخرين، أكتشف
أنهم لايستحقون، تمر الأيام، أتنقل من خيبة إلى أخرى، تختلف البدايات،
لكن النهايات واحدة، لابد أن حالة من فقدان الذاكرة تنتابني
بين الحين والآخر، فأنسى الماضي، وأعود لأكرر المأساة ذاتها، أفقد
إحساسي بالمأساة لأقع في مأساة أخرى. تساءلت: أليس الجميع نسخة
واحدة، مجرد تصوير(فوتوكوبي)، أحيانا يكون الورق أبيض، والتصوير
جيدا، وأحيانا يكون التصوير سيئا.


قررت أن ألغيهم من حياتي، أقصد الرجال، فأنا أتحدث عن خيبتي
بهم، إنهم يستهلكون أعصابي، أحلامي، تفكيري، ويحاولون إلغائي،
فلماذا لا ألغيهم؟!

هذا القرار لم أنفذه يوما، بل حاولت أن أمحو قليلا، وأشطب قليلا
وأصلح، وأغير، واكتشفت أنني غير قادرة على تغيير شيء، فهم قالب
واحد مزين ببعض الرتوش، حين نمجوها تبقى الحقيقة المؤلمة، قررت أن
أخلق أبطالا من خيالي لروياتي التي أكتبها، الشخصيات الواقعية
متشابهة لاترضيني، وأريد رواية مشوقة، مامعنى أن أكرر الشخصية
ذاتها؟! سيقولون إنني أكرر نفسي، ولاأقدم شيئا جديدا، كيف أكون
روائية ولاأقدم شيئا جديدا؟!
سأخلق بطلا رائعا يحتل صفحات روايتي، سأحبه، وأغذي أحلامي
ومشاعري، بدأت بخلق بطل جميل، وضعت فيه الصفات التي أحبها،
نعم سوف أخلق أبطالي وأصورهم كما أريد، لكن البطل تمرد علي،
هرب من صفحاتي، بدأ يكتسي بصفات الناس الذين أعرفهم، تشوه
جماله، تلوث بالواقع، فجأة رأيته أصبح مثل الرجال الذين حولي،
نسخة محسنة عنهم مثل الخبز المحسّــن.
كنت قد تورطت في حبه، وتعلقت به، وكان مأزقا مخيفا،
تساءلتُ: هل يستحق بطلي أن أحبّه؟!وكان الجواب: لا.
ها إني وقعت في الفخ الذي هربت منه والخيبة تنتظرني..
قررت أن أخرج من حالة العشق التي عشتها مع بطلي، يجب أن
أنهي الرواية، يجب أن لا أفكر بالبطل، سأودعه مع آخر صفحة من
روايتي، ولكن هل أعيش دون أبطال؟! ألست بحاجة إلى بطل
آخر؟!
هذه المرة سـأخلق بطلا من خيالي أجمل من بطلي الأول، أنقى
وأكثر شفافية سأحركه على الورق ببراعة، سأزرع فيه ماأريد، كانت
تجربتي الأولى في الخلق فاشلة، سأتعلم من أخطائي، سأخلق ماأريد،
ولن يتلوث بالواقع، سيبقى بطلي متألقا بهيا، في روايتي الجديدة لن
أسمح للبطل بالتمرد علي، ولكن ماذا لو أنه غافلني وتمرد علي،
وتصرف كما يريد، وخرجت الأمور من يدي ووقعت ثانية في
الفــخ؟!

الكاتبة السورية : ندى الدانا


قرأتها فأعجبت بها كثيرا..وأحببت أن أنقلها لكم .. أرجو أن تنال إعجابكم..