خطبة عرفة وإعلان حقوق الإنسان
حقيقة لا مراء فيها أن حقوق الإنسان في أرجاء العالم المختلفة تتعرض لانتهاكات لا حصر لها، وليس من السهل أن تجد منطقة في شرق العالم أو غربه لا تعاني من هذا الانتهاك، وقد يكون الانتهاك داخليًّا بأيدي أصحاب السلطان والحكم، وقد يكون من دولة متجبِّرة لدولة أخرى ضعيفة، وقد يكون من طائفة لطائفة أخرى، وقد يكون من فردٍ لأفراد آخرين، ولكنه في كل الأحوال موجود ومنتشر، بل ليس غريبًا أن تصبح المعاناة هي شعار الأغلبية من سكان هذا الكوكب!
وهذا الانتهاك لحقوق الإنسان ليس مستحدثًا في الأرض، بل إن السمة الغالبة لكل الأمم التي حكمت الدنيا قبل ذلك، هي سمة الظلم والاضطهاد للآخرين، ولا فرق في ذلك بين فرس ولا رومان، ولا هنود ولا صينيين، ولا تتار ولا صليبيين، ولا إنجليز ولا فرنسيين، ولا أمريكان ولا يهود.. إنها النتيجة الحتمية للقوة إذا نُزعت منها الرحمة، وإذا تجرَّدت من الأخلاق والدين.
أما الذي يحزننا حقًّا فهو أن نرى هذا الانتهاك لحقوق الإنسان متفشيًّا في بلاد المسلمين، التي أنعم الله عليها بدين يحفظ حقوق الإنسان من أول يوم نزل فيه القرآن إلى آخر أيام التشريع.. وهو الدين الذي جعل الله U سمته الرئيسية هي الرحمة، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]. وهو الدين الذي لا يقبل الظلم بأي صورة من الصور، يقول تعالى في الحديث القدسيِّ: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلاَ تَظَالَمُوا"[1].
يحزن المرء حقًّا عندما ينظر إلى بلاد الإسلام فيجد الأعداد الغفيرة من المظلومين قد دخلت السجون والمعتقلات بغير جريمة ولا ذنب، بل بغير قضية ولا تحقيق من الأصل، ويجد أن الأعياد تلو الأعياد تمرُّ على الأمة فلا تحمل إلا الحزن لعائلات كثيرة، فَقَدت عائلها خلف القضبان بغير حق ولا دليل!
يحزن المرء كثيرًا عندما يجد أن إرادات الشعوب الإسلامية تُزوَّر وتُلفَّق، حتى تسير الأمور وَفْق هوى شخص بعينه، وتحقيقًا لمصالح إنسان بذاته.
يحزن المرء كثيرًا عندما يشاهد مُكوسًا وضرائب، وجبايات وفروضًا تثقل كاهل المساكين، وتشقُّ على عامَّة المواطنين.
يحزن المرء كثيرًا عندما يرى في بلاد المسلمين أطفالاً لا مأوى لهم، فيما عُرف بظاهرة (أطفال الشوارع)، ويجد نساء وأرامل لا يجدن ما يكفي لسدِّ جوعهن وجوع أولادهن، بينما تُختلس أموال البلاد الإسلامية وتُبدَّد بالملايين والمليارات.
كل هذا وغيره انتهاك لحقوق الإنسان في بلاد المسلمين.
ولهذا فليس مفاجئًا لنا أن نجد أن الغالب الأعم من الدول التي تنتهك حقوق الإنسان في العالم، هي دول إسلامية!
وهذه والله فتنة كبيرة، وبلية عظيمة!
ماذا تقول شعوب العالم الذي يسمونه بالمتحضر عندما يشاهدون هذه الظواهر والكوارث في بلاد المسلمين؟! أليس من المتوقع أن يُرجِعوا ذلك كله إلى الإسلام نفسه؟! أليس طبيعيًّا جدًّا أن يقولوا إن العامل المشترك الذي يجمعهم جميعًا هو الإسلام، فلا شك إذن أنه دين عنف وإرهاب واضطهاد وقهر وعنصرية وطبقية؟!
إنها والله فتنة!
ولذلك يقول ربنا I: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الممتحنة: 5]. ونحن نكون فتنة للذين كفروا إذا كان حالنا دافعًا لهم أن يبتعدوا عن هذا الدين وعن أهله.
والحق أن الإسلام بريء تمامًا من هذه التصرفات والمخالفات.. والفرق بين قواعد الشريعة وبين ما يفعله غالب الحكام وأصحاب السلطان، كالفرق تمامًا بين السماء والأرض، أو لعله أبعد!
وما أجمل -ونحن في هذه الأيام المباركة- أن نتعرف على قواعد الإسلام الصحيح من خلال خطبة نبي الإسلام وخاتم المرسلين محمد r، وذلك يوم عرفة، وهو يخاطب عموم المسلمين المجتمعين معه في هذا الموقف المهيب.
لقد كانت خطبة عرفة ذات طابع مميز مختلف عن بقية خطبه r، ليس ذلك فقط لأنها كانت خطبة توديعية للأمة، ولكنها في الواقع كانت خطبة الرسول r لأمته القوية الممكَّنة في الأرض. لقد خاطب رسول الله r قبل ذلك المستضعفين، وخاطب المحاصَرين والمضطهدين، وحتى في فترة المدينة فإن حياة المسلمين كانت بين شدٍّ وجذب، وقوة وضعف، وعلوٍّ وهبوط، إلا أنه الآن في خطبة عرفة يخاطب أمة قوية لها السيطرة على الجزيرة العربية بكاملها، ولها الكلمة العليا في كل المنطقة، وهو في خطابه لها يعلِّمها ويعلِّم البشرية جميعًا أن القوة إذا كانت في يد مسلم حقيقي، فإنه يسخِّر هذه القوة لحفظ حقوق الإنسان لا لهدرها، ولترسيخ العدل في الأرض لا الظلم، ولتعزيز المبادئ الأخلاقية والحضارية لا الاستبدادية التعسفية.
لقد كان أعظم إعلان لحقوق الإنسان في تاريخ الإنسانية!
إن الرسول الأكرم r وقف معلنًا في أكثر من موضع حرمة الدماء والأموال، وهما أكثر الأشياء التي يتصارع لأجلها البشر، وهما أهم الأشياء التي يسعى الإنسان للحفاظ عليهما، فقال رسول الله r: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"[2].
إنه يحرم تمامًا أن يتعرض أحدٌ لدم أحدٍ أو ماله بغير وجه حق، بل إنه يعلن في موضع آخر أن هذا ليس فقط في الأموال الكثيرة، وليس فقط في الظلم المُعلَن الواضح، ولكن في أي صورة من صور التحايل، فيقول في روعة بالغة: "لاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ أَخِيهِ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَلاَ تَظْلِمُنَّ أَنْفُسَكُمْ"[3].
ثم هو يمنع أن يُؤخذ أحدٌ بجريرة إنسان آخر، فقال: "دِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ"[4]. فليس من المقبول أن يُقتل إنسان لا لشيء إلا لأن أباه أو أخاه أخطأ بقتل آخر، فكل نفس بما كسبت رهينة.
وهو كذلك يمنع الاستغلال الاقتصادي، ويحرِّم تحكُّم الأغنياء في الفقراء، فيقول: "وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا، رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ"[5]. إن الربا ظلم مبين، وهدر لحقوق الإنسان، ولعلَّ العالم كله الآن شاهد مصيبة الربا وأثرها في الأزمة المالية العالمية، ورسولنا الأكرم يحذِّرنا من هذا الشر المحض، ويمنعنا من استغلال الناس وقهرهم.
ثم لعلنا نلحظ أنه r لا يتفضل بقيادته ونبوته وحكمه على الناس، ولا يترفع عليهم، ولا يستثني نفسه من حكمٍ ويضعه على غيره، بل إنه يصبح أول المتنازلين عن دماء الجاهلية، وعن ثأر الآباء، وهو كذلك أول المتنازلين عن فوائد الربا التي كان يقبضها عمه العباس t؛ ليعلن للجميع أن الحاكم لا ينبغي له أن يتسلط على رقاب المحكومين، بل على العكس إنه يضرب من نفسه المثل والقدوة لكل شعبه.
وهو أيضًا في هذا الموقف الجامع يوصي بحفظ حقوق النساء، التي كثيرًا ما تتعرض لهدرٍ عظيم إذا ما نسي الإنسان خُلُقَه، وابتعد عن دينه، فيقول الرسول r: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ"[6].
ثم يُسَطِّر قانونًا من أعظم قوانين الإنسانية، وهو قانون المساواة، ونبذ العنصرية والطبقية، وعدم الاعتبار مطلقًا بفروق الجنس والعرق واللون والثروة، فيقول في رقيٍّ ظاهر: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى"[7].
وأكثر من كل ذلك فإنه لا يمانع أن يصعد عبدٌ حبشي إلى قمة الحكم في الدولة الإسلامية، بل إنه يوصي أصحابه وأمته أن يسمعوا له ويطيعوا، ولا يجعلوا فارق اللون أو الثروة مانعًا لهم أن يتبعوه. يقول رسول الله r: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ[8]، مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"[9].
إن هذه القوانين الرائعة، والقواعد السامية أُعلنت منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، وأُعلنت هكذا كاملة دون نقص، ومحكمة دون ثغرة، وهذا من أبلغ دلائل نبوته r.
إننا نحتاج أن نفهم ديننا، وأن نعرف قصة حبيبنا r، وأن نفخر بدستورنا وشرعنا.
ونحتاج أيضًا أن نرفض الظلم بكل صوره، وأن نغضب لإهدار حق إنسان واحد، فضلاً عن إهدار حقوق الشعوب.
ونحتاج فوق هذا أن نحمل رسالة ديننا إلى العالمين؛ ليعلم الجميع أن دين الله حق، وأن شريعته عادلة، وأن سعادة الدنيا والآخرة في تطبيقها واتِّباعها.
نسأله I أن يرفع الكرب عن المكروبين، وأن يردَّ الحقوق لأصحابها، وأن يُسعِد البشرية جميعًا بدين الإسلام.
كما نسأله سبحانه أن يعز الإسلام والمسلمين!
aa00xz@hotmail.com
حقيقة لا مراء فيها أن حقوق الإنسان في أرجاء العالم المختلفة تتعرض لانتهاكات لا حصر لها، وليس من السهل أن تجد منطقة في شرق العالم أو غربه لا تعاني من هذا الانتهاك، وقد يكون الانتهاك داخليًّا بأيدي أصحاب السلطان والحكم، وقد يكون من دولة متجبِّرة لدولة أخرى ضعيفة، وقد يكون من طائفة لطائفة أخرى، وقد يكون من فردٍ لأفراد آخرين، ولكنه في كل الأحوال موجود ومنتشر، بل ليس غريبًا أن تصبح المعاناة هي شعار الأغلبية من سكان هذا الكوكب!
وهذا الانتهاك لحقوق الإنسان ليس مستحدثًا في الأرض، بل إن السمة الغالبة لكل الأمم التي حكمت الدنيا قبل ذلك، هي سمة الظلم والاضطهاد للآخرين، ولا فرق في ذلك بين فرس ولا رومان، ولا هنود ولا صينيين، ولا تتار ولا صليبيين، ولا إنجليز ولا فرنسيين، ولا أمريكان ولا يهود.. إنها النتيجة الحتمية للقوة إذا نُزعت منها الرحمة، وإذا تجرَّدت من الأخلاق والدين.
أما الذي يحزننا حقًّا فهو أن نرى هذا الانتهاك لحقوق الإنسان متفشيًّا في بلاد المسلمين، التي أنعم الله عليها بدين يحفظ حقوق الإنسان من أول يوم نزل فيه القرآن إلى آخر أيام التشريع.. وهو الدين الذي جعل الله U سمته الرئيسية هي الرحمة، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]. وهو الدين الذي لا يقبل الظلم بأي صورة من الصور، يقول تعالى في الحديث القدسيِّ: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلاَ تَظَالَمُوا"[1].
يحزن المرء حقًّا عندما ينظر إلى بلاد الإسلام فيجد الأعداد الغفيرة من المظلومين قد دخلت السجون والمعتقلات بغير جريمة ولا ذنب، بل بغير قضية ولا تحقيق من الأصل، ويجد أن الأعياد تلو الأعياد تمرُّ على الأمة فلا تحمل إلا الحزن لعائلات كثيرة، فَقَدت عائلها خلف القضبان بغير حق ولا دليل!
يحزن المرء كثيرًا عندما يجد أن إرادات الشعوب الإسلامية تُزوَّر وتُلفَّق، حتى تسير الأمور وَفْق هوى شخص بعينه، وتحقيقًا لمصالح إنسان بذاته.
يحزن المرء كثيرًا عندما يشاهد مُكوسًا وضرائب، وجبايات وفروضًا تثقل كاهل المساكين، وتشقُّ على عامَّة المواطنين.
يحزن المرء كثيرًا عندما يرى في بلاد المسلمين أطفالاً لا مأوى لهم، فيما عُرف بظاهرة (أطفال الشوارع)، ويجد نساء وأرامل لا يجدن ما يكفي لسدِّ جوعهن وجوع أولادهن، بينما تُختلس أموال البلاد الإسلامية وتُبدَّد بالملايين والمليارات.
كل هذا وغيره انتهاك لحقوق الإنسان في بلاد المسلمين.
ولهذا فليس مفاجئًا لنا أن نجد أن الغالب الأعم من الدول التي تنتهك حقوق الإنسان في العالم، هي دول إسلامية!
وهذه والله فتنة كبيرة، وبلية عظيمة!
ماذا تقول شعوب العالم الذي يسمونه بالمتحضر عندما يشاهدون هذه الظواهر والكوارث في بلاد المسلمين؟! أليس من المتوقع أن يُرجِعوا ذلك كله إلى الإسلام نفسه؟! أليس طبيعيًّا جدًّا أن يقولوا إن العامل المشترك الذي يجمعهم جميعًا هو الإسلام، فلا شك إذن أنه دين عنف وإرهاب واضطهاد وقهر وعنصرية وطبقية؟!
إنها والله فتنة!
ولذلك يقول ربنا I: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الممتحنة: 5]. ونحن نكون فتنة للذين كفروا إذا كان حالنا دافعًا لهم أن يبتعدوا عن هذا الدين وعن أهله.
والحق أن الإسلام بريء تمامًا من هذه التصرفات والمخالفات.. والفرق بين قواعد الشريعة وبين ما يفعله غالب الحكام وأصحاب السلطان، كالفرق تمامًا بين السماء والأرض، أو لعله أبعد!
وما أجمل -ونحن في هذه الأيام المباركة- أن نتعرف على قواعد الإسلام الصحيح من خلال خطبة نبي الإسلام وخاتم المرسلين محمد r، وذلك يوم عرفة، وهو يخاطب عموم المسلمين المجتمعين معه في هذا الموقف المهيب.
لقد كانت خطبة عرفة ذات طابع مميز مختلف عن بقية خطبه r، ليس ذلك فقط لأنها كانت خطبة توديعية للأمة، ولكنها في الواقع كانت خطبة الرسول r لأمته القوية الممكَّنة في الأرض. لقد خاطب رسول الله r قبل ذلك المستضعفين، وخاطب المحاصَرين والمضطهدين، وحتى في فترة المدينة فإن حياة المسلمين كانت بين شدٍّ وجذب، وقوة وضعف، وعلوٍّ وهبوط، إلا أنه الآن في خطبة عرفة يخاطب أمة قوية لها السيطرة على الجزيرة العربية بكاملها، ولها الكلمة العليا في كل المنطقة، وهو في خطابه لها يعلِّمها ويعلِّم البشرية جميعًا أن القوة إذا كانت في يد مسلم حقيقي، فإنه يسخِّر هذه القوة لحفظ حقوق الإنسان لا لهدرها، ولترسيخ العدل في الأرض لا الظلم، ولتعزيز المبادئ الأخلاقية والحضارية لا الاستبدادية التعسفية.
لقد كان أعظم إعلان لحقوق الإنسان في تاريخ الإنسانية!
إن الرسول الأكرم r وقف معلنًا في أكثر من موضع حرمة الدماء والأموال، وهما أكثر الأشياء التي يتصارع لأجلها البشر، وهما أهم الأشياء التي يسعى الإنسان للحفاظ عليهما، فقال رسول الله r: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"[2].
إنه يحرم تمامًا أن يتعرض أحدٌ لدم أحدٍ أو ماله بغير وجه حق، بل إنه يعلن في موضع آخر أن هذا ليس فقط في الأموال الكثيرة، وليس فقط في الظلم المُعلَن الواضح، ولكن في أي صورة من صور التحايل، فيقول في روعة بالغة: "لاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ أَخِيهِ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَلاَ تَظْلِمُنَّ أَنْفُسَكُمْ"[3].
ثم هو يمنع أن يُؤخذ أحدٌ بجريرة إنسان آخر، فقال: "دِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ"[4]. فليس من المقبول أن يُقتل إنسان لا لشيء إلا لأن أباه أو أخاه أخطأ بقتل آخر، فكل نفس بما كسبت رهينة.
وهو كذلك يمنع الاستغلال الاقتصادي، ويحرِّم تحكُّم الأغنياء في الفقراء، فيقول: "وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا، رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ"[5]. إن الربا ظلم مبين، وهدر لحقوق الإنسان، ولعلَّ العالم كله الآن شاهد مصيبة الربا وأثرها في الأزمة المالية العالمية، ورسولنا الأكرم يحذِّرنا من هذا الشر المحض، ويمنعنا من استغلال الناس وقهرهم.
ثم لعلنا نلحظ أنه r لا يتفضل بقيادته ونبوته وحكمه على الناس، ولا يترفع عليهم، ولا يستثني نفسه من حكمٍ ويضعه على غيره، بل إنه يصبح أول المتنازلين عن دماء الجاهلية، وعن ثأر الآباء، وهو كذلك أول المتنازلين عن فوائد الربا التي كان يقبضها عمه العباس t؛ ليعلن للجميع أن الحاكم لا ينبغي له أن يتسلط على رقاب المحكومين، بل على العكس إنه يضرب من نفسه المثل والقدوة لكل شعبه.
وهو أيضًا في هذا الموقف الجامع يوصي بحفظ حقوق النساء، التي كثيرًا ما تتعرض لهدرٍ عظيم إذا ما نسي الإنسان خُلُقَه، وابتعد عن دينه، فيقول الرسول r: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ"[6].
ثم يُسَطِّر قانونًا من أعظم قوانين الإنسانية، وهو قانون المساواة، ونبذ العنصرية والطبقية، وعدم الاعتبار مطلقًا بفروق الجنس والعرق واللون والثروة، فيقول في رقيٍّ ظاهر: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى"[7].
وأكثر من كل ذلك فإنه لا يمانع أن يصعد عبدٌ حبشي إلى قمة الحكم في الدولة الإسلامية، بل إنه يوصي أصحابه وأمته أن يسمعوا له ويطيعوا، ولا يجعلوا فارق اللون أو الثروة مانعًا لهم أن يتبعوه. يقول رسول الله r: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ[8]، مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"[9].
إن هذه القوانين الرائعة، والقواعد السامية أُعلنت منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، وأُعلنت هكذا كاملة دون نقص، ومحكمة دون ثغرة، وهذا من أبلغ دلائل نبوته r.
إننا نحتاج أن نفهم ديننا، وأن نعرف قصة حبيبنا r، وأن نفخر بدستورنا وشرعنا.
ونحتاج أيضًا أن نرفض الظلم بكل صوره، وأن نغضب لإهدار حق إنسان واحد، فضلاً عن إهدار حقوق الشعوب.
ونحتاج فوق هذا أن نحمل رسالة ديننا إلى العالمين؛ ليعلم الجميع أن دين الله حق، وأن شريعته عادلة، وأن سعادة الدنيا والآخرة في تطبيقها واتِّباعها.
نسأله I أن يرفع الكرب عن المكروبين، وأن يردَّ الحقوق لأصحابها، وأن يُسعِد البشرية جميعًا بدين الإسلام.
كما نسأله سبحانه أن يعز الإسلام والمسلمين!
aa00xz@hotmail.com
الأحد أكتوبر 26, 2014 6:21 am من طرف اميرة الحروووف
» اذا زرعت الامانة فسوف تحصد الثقة
الأحد أكتوبر 26, 2014 6:20 am من طرف اميرة الحروووف
» سوف تدمع حين موتى
الأحد أكتوبر 26, 2014 6:18 am من طرف اميرة الحروووف
» بحبك ولو كان المستحيل
الأحد أكتوبر 26, 2014 6:18 am من طرف اميرة الحروووف
» الي كل من ذاق الم الفراق
الأحد أكتوبر 26, 2014 6:17 am من طرف اميرة الحروووف
» تفسير الاحلام
الأحد ديسمبر 01, 2013 9:47 pm من طرف لمياء
» تفسير الاحلام
الأحد ديسمبر 01, 2013 9:47 pm من طرف لمياء
» كلام الرووح
الخميس أغسطس 23, 2012 11:42 pm من طرف شكسبير الحزين
» من القلب للقلب
الخميس أغسطس 23, 2012 3:52 pm من طرف شكسبير الحزين
» حوار بين العقل والقلب
الخميس أغسطس 23, 2012 3:46 pm من طرف شكسبير الحزين
» اشعر بالغربه بين الناس
الخميس أغسطس 23, 2012 3:41 pm من طرف شكسبير الحزين
» افتقد ثقتى بمن حولى
الخميس أغسطس 23, 2012 3:35 pm من طرف شكسبير الحزين
» اجبرتنى دموعى ان اكتب
الخميس أغسطس 23, 2012 3:29 pm من طرف شكسبير الحزين
» كلام من القلب
الخميس أغسطس 23, 2012 3:26 pm من طرف شكسبير الحزين
» لا تلوم احد فهذا كان اختيارك
الخميس أغسطس 23, 2012 3:18 pm من طرف شكسبير الحزين
» لا تستغرب ابدااا
الخميس أغسطس 23, 2012 3:09 pm من طرف شكسبير الحزين
» ليه بنكدب؟؟؟؟؟؟؟
الخميس أغسطس 23, 2012 2:59 pm من طرف شكسبير الحزين
» احببتك حتى غاب عقلى واصبحت مجنون بالغرام
الخميس أغسطس 23, 2012 2:45 pm من طرف شكسبير الحزين
» وعدنى بالف وعد
الخميس أغسطس 23, 2012 4:09 am من طرف شكسبير الحزين
» حبك شىء ولاكن كرامتى اشياء
الخميس أغسطس 23, 2012 3:48 am من طرف شكسبير الحزين
» الحب عطـــاء
الخميس أغسطس 23, 2012 3:47 am من طرف شكسبير الحزين
» أحببتك بكل رقة معانيك
الخميس أغسطس 23, 2012 3:43 am من طرف شكسبير الحزين
» قسوه الوحده
الخميس أغسطس 23, 2012 3:37 am من طرف شكسبير الحزين
» صوت الصمــــــــــت
الخميس أغسطس 23, 2012 3:34 am من طرف شكسبير الحزين
» صمود وسط تهازى الملوك
الخميس أغسطس 23, 2012 3:30 am من طرف شكسبير الحزين
» دموع الفراق
الخميس أغسطس 23, 2012 3:25 am من طرف شكسبير الحزين
» الجانى والمجنى عليه انا.
الخميس أغسطس 23, 2012 3:16 am من طرف شكسبير الحزين
» احبك جدا ولاكنى امتلك كرامه فوق كل حب
الأربعاء أغسطس 22, 2012 11:15 pm من طرف شكسبير الحزين
» الحزن الراقى
الأربعاء أغسطس 22, 2012 10:55 pm من طرف شكسبير الحزين
» انواع الكذب والنهايه المحتومه
الأربعاء أغسطس 22, 2012 10:33 pm من طرف شكسبير الحزين